في المدينة الهرمة
بديعة بوحريزي - في المدينة الهرمة
و تلقفني في المدينة هذي الشوارع و الأرصفة .. مع الناس
يجرفني مدها البشري
أموج مع الموج فيها
على السطح أبقى .. بغير تماس
و يكتسح المد هذي الشوارع و الأرصفة
وجوه وجوه وجوه وجوه
تموج على السطح .. يقطن فيها اليباس
و تبقى .. بغير تماس
هنا الاقتراب بغير اقتراب
هنا اللاحضور .. حضور
و لا شيء إلا .. حضور الغياب
و لا شيء إلا .. حضور الغياب
و يحمرّ ضوء الإشارة و المدّ يرتدّ
تعود الخفافيش للذاكرة
و نصف مزنجرة تعبر السوق
أفسح فيه مكانا لتعبر
إني تعلمتُ ألا أعرقل خط المرور
و عن ظهر قلب حفظتُ دروس نظام المرور
هنا كان سوق النخاسة
باعوا هنا والديّ و أهلي
فقد جاء وقت سمعنا الذي
منع الرق و البيع
نادى على الحر من يشتري !
وهذي أنا اليوم جزء من الصفقة الرابحة
أمارس حمل الخطيئة
معصيتي أنني غرسة أطلعتها جبال فلسطين
من مات امس استراح
أشك لعل بقايا كهوف القبور تئنّ
و تلعنني .. حين أفسح في السوق دربا
لتعبر نصف مزنجرة ثم أمضي .. بغير اكتراث
رسالة عائشة تستريح على مكتبي
و نابلس هادئة و الحياة تسير كماء النهر
يبادلني خاتم السجن صمتا فصيحا
يقول لها حارس السجن:
إن الشجر تساقط و الغابة اليوم لا تشتعل
و لكن عائشة ما تزال تصر على القول
إن الشجر كثيف و منتصب كالقلاع
و تحلم بالغابة التي تركتها تؤج بنيرانها قبل خمس سنين
و تسمع في الحلم زمجرة الريح بين المعابر
تقول لسجانها:
لا .. لا .. لا أصدق
كيف أصدق من جاء من صلبهم
تظلّون يا حارسي أنبياء الكذب
و تقبع في ظلمة السجن يظللها الشجر المنتصب
و تفرحها غابة في البعيد تصلصل فيها سيوف اللهب
و تحلم عائشة .. ثم تحلم
و تحلم عائشة .. ثم تحلم
و يخضر ضوء الإشارة
يجرفني المد
تهرب ذاكرتي
و الخفافيش تهوي إلى قاع بئر غميقة
يغير ظلٌّ طريقه ..
يتابع ظلي .. يوازيه
يمتد جسر
- لعلك مثلي غريبة ؟
و تنفصل القطرتان عن المد ثم تغيبان بين زوايا حديقة
- تحبين أوزبورن ؟
- و من لا يحبه ؟
- عجائز انكلترا المحبطون و ضباطها الآفلون مع الشمس غربَ السويس
- ترى من سيزرعها شجرة الغد لهذا البلد ؟
- شباب الهيبيز ..
لاذع أنت لاذع
و يجتازنا سيلهم و هو يجرف تربة لندن
ونسمع صوت انهياراتها على وقع دقات بغ بن
- هنالك في العطفة الجانبية حانوت خمر
وفي النّزل ذوقٌ وتدفئة مركزية
- سدىً ما تحاول
وتعبر سيدة لندنية
تبث وتشكو إلى كلبها وخز
عرق النسا و التهاب المفاصل
- سدى ما تحاول
- ألست ابنة العصر
- كبرت عن الطيش
صيّرني الحزن بنت مئات السنين ،
سدىً ما تحاول .
و ارفع عن كتفيّ ذراعيه أفلتُ خارج طوق التواصل
تحاصرني وحدتي
كلنا في حصار التوحد
وحيدون نحن
نمارس لعبة هذي الحياة .. وحيدين
نحزن نألم نشقى .. وحيدين
نموت وحيدين
وحيدا تظل و لو حضنتك مئات النساء
و تلقفنا في المدينة هذي الشوارع و الأرصفة .. مع الناس
يجرفنا مدها البشري
نموج مع الموج فيها
نظل على السطح فيها .. بغير تماس